الخميس, 12 ديسمبر 2019 07:30 مساءً 0 373 0
حين تنبت ضفائر الحب من جدائل امرأة من نخيل ، قراءة في قصيدة الشاعرة السورية “وفاء دلا”/ عبدالله شلبي - المغرب
حين تنبت ضفائر الحب من جدائل امرأة من نخيل ، قراءة في قصيدة الشاعرة السورية “وفاء دلا”/ عبدالله شلبي - المغرب

 

امرأةُ النخيل

كأنني …
أحاورُ هديل الملكوتْ
بشيءٍ من غوى الطفولةِ وانهمار ندايَ
في غفلةٍ ماطرة …
أستعيرُ وجودي , في خريف الأيام
حملتُ بهاء النخيل عناقيد جوى
بين الواحات تستطيلُ مآذن بيضاء
وتدنو مني فاجأةٍ فأدنو ..!!
رأيتُ وجهكَ كالشمس يحاصرني
في اتجاهاتي الحانية …
أدمنتُكَ لونَ قمري
وهو يرحلُ ببياضي إليكَ
ويجنحُ المدى للمدى …
يَجنحُ نحو الصدى …
ويرجع الآذان هادراً :
أحبكَ … أحبك .. أحبك
أحببببببببببببببببببببببببك …
ويعلو نحو النخيل والفضاء
أمتشقُ بياض السماء من أعين الغيمات …
وَ انتشاركَ فوق الغمامْ
ربما يهجرني الظلام …
وتعود كالفجر بين يديَ
قبل شأوك بلحظةِ حب …
أُخادعُ بالصبرِ درب الغياب المُملْ
وأراهن على نسيان الوقت
أراهنها بعناد الجوى
حين يتهاوى من فمي الكلامْ
وَيَرتعشُ الهواء في أضالعي …
آآهٍ أيُّها المتناثرُ
عطراً خرافياً يدور بي كالشررْ المبارك …
هكذا ….
كنتُ أدعي قصائدي الماطرة
بالشهدِ الملكي ….
وأستدرجك ناهمة لمأدبة النخيل وطعم الرُّطب طعمك المختلف !!

نعم … كنتُ أزيح المستحيل …
وأنسجُ جمرا المطر بياسمين الشام …
كي يعرف راعي الصحراء أسرار الثمارْ
هل سيبلغ مداركي بشوق الرمال للبحر
ما كان لك أن تكون …
غير قيثارتي ..
لن أعلمكَ إيقاع الشعر .. والنثر …
الليلُ يَرسمُني على خَمرِ الشفاهِ
قصيدةً ثائرة …
مابين ثلجٍ ونارٍ …
دعني أُحاوركَ كريحٍ مغايرة
كسربِ يمام نثرتْ فوق التخومْ
طائرة من بين يديك … روحي
وَكم من احتمالٍ هاشَ وَ ذابْ
لعل الله يُسْعف في النائيات وجودها !!
وَيبقى بهاءَ امرأةُ النخيل في ألقَ النجومْ
تقاسم السماء … زرقة الحُبّ وَالمطر .
————————————
حين تنبت أمرأة من نخيل ، تكون وفاء دالا قد استكملت انوثتها المبتغاة ، فهي حينها فقط يحق لها خصيصا ان تحاور هديل الملكوت ، فهي بدون ذلك لن تستعيد أبدا غوايات الطفولة الدمشقية الحابلة بالاسرار والحافلة بعبق التاريخ ، المعفر بمسك دمشق عاصمة وهوية ، فمعين الطفولة الذي يمدها بغدق منهمر لا ينضب ، يستجلب الغفلة الدالية الماطرة ، دال دلال ودال دوحة ، مطر وزلال.

1 ثنائية الوجود – النخيل :
مما لاشك فيه أن النخيل بخضرته ونضارته وسموقه ظل على امتداد التاريخ الشعري العربي الممتد مصدر خصب وعطاء لا ينتهي ولا يمكن تغاضيه أو تغافله ، فهو واحات ممتدة تنضح جمالا وتقطر هياما ، مما جعله يرتبط بالعشق والصب ارتباطا وثيقا خاصة عندما نشير بالبنان إلى نوع معين من قصائد النثر التي امتدت في تخوم الوطن تترنم بتأوهات العشق ، وسهد البعد ، راجية حلو العناق وعذب الوصال ، متلبسة بخصب الطبيعة ، بعطائها وسخائها ، ودفء حضنها الذي يستلذ و يستطاب ، بل ويصير في أحيان اخرى في تماه مع المحبوب المرتجى ، مما يحيلنا على التوازي مع مفاهيم الرومانسية في مفهومها الكلاسيكي حيث تصير الطبيعة ملاذا وخلاصا.

لعل عناقيد العنب حين تتدلى لتمنح للشاعرة استعارة وجودها ، هنا تتمترس الطبيعة باعتبارها بديل ” الأنا المفتقد ” ، الذي يولد من جديد ، فيتولد هذا الوجود الذي كان معدما بل عدما ، في خريف الأيام الدمشقي.
هذا الخريف نفسه هو الذي يعتصر ألما وجراحا ودما نازفا كل يوم ، ليجسد خريف الوطن المتآكل الذي تؤكل منسأته ، وتقضم ركائزه ، فيبحث عن البنوة النافعة والنافحة والدافعة.

ان العناقيد التي تصطبغ القصيدة بها وتتزين ، هي رمز الخصب والجمال والعطاء والحضارة والرقي المفتقد ، في زمن صار سمته ” الانكفاء ، الركون ، والتيه ” ، فكأن القصيدة هنا بلا شك ، تغدو بوصلة الخلاص لهذا الوطن ، ليتناسل الخصب مع الحرف تناسلا وجوديا ، فيولد في تراصف وحدة وتكاثفا تعطي للشاعرة ترياقا أزليا ” مبحوثا عنه – مختف ” ، حتى تستظل بفئء النخيل ، ويستظل معها الوطن كاملا ، ليتخلص من ” واو الوجع ” و ” فاء الفداحة ” .
وهذا مدعاة لتسربل القصيدة بماء البهاء ورداء النقاء ، بهاء روحي قمين بالعطاء والبذل ، نقاء وجودى يعلم الآخر معنى التسامح والنبل والشموخ ، ذاك شموخ الجريد ، ونضارة اخضراره ، ثماره التي تعانق أديم الأرض وداعة وتواضعا ، تعطي سخاء ورخاء لا يضاهى ولا يوازى .

2. ثنائية المسجد – المآذن
هاهي المآذن تحضر لتعضد وجود النخيل وتسنده ، ليستنبت الرمز موغلا في الدلالة ، مقرا بهوية الشاعرة وغرقها في حضن ” الشرق – الاسلام ” ، فتستجلب المئذنة رمزا من رموز القصيدة ، غير أنها لم تستحضر فجائيا داخل تجاويف النص ، فيغدو الرمز ناتئا ونشازا ، كشأن كثير من الشعراء، وإن بدا الأمر كذلك ، فذاك إنما يعود أساسا لربط الشاعرة المآذن بالواحات ، التي سبق الحديث عنها ، هذا الربط جاء متناسقا مع توالي الأبيات ، فعلى الرغم من استطالة النخل عادة وسط الواحات الممتدة ، لدرجة تحجب معه رؤية الرائي ، فإن المآذن تستطيل وتتشح بالبياض ، فتغدو ” استطالتها ” دليلا على شموخ كلمة ” الدين ” بمعناه الكوني والراقي ، ويكون البياض ملمحا جامعا دالا على النور والضياء المرتجى باعتباره ملاذا مرتجى وحلا مرتضى من الشاعرة.

3.تيمة الحب : الحب خلاصا عند الشاعرة ” وفاء دلا “

تتناسل هذه التيمة وسط القصيدة ، لتحضر بتلوينات مختلفة تصب في بوثقة واحدة ، فهاهو وجه الحبيب شمس يحاصرها ، فيولد ادمانا يحمل كل البياض إليه في امتداد لا محدود لا يكفيه المدى ولا يغطيه امتداد الصدى .
، انه حب غريب ، فينيقي فذ ، ذلك لأنه يمتزج بترانيم الدين ، تراتيل العشق ، وهذا ما يسم حديثها عن الحب بالفرادة ، فهو عشق مقدس ، ما يجعله كذلك أن الآذان يعود راجعا ، ولكن بصوت هادر ممتد غير منته ، بعبارة الحب الأثيرة عند العاشقين ” أحبك ”
غير ان هذه الكتابة وحدها في الكلمة :” أحببببك ” ( بتكرار الباء وتعددها واستطالتها) حين أصرت الشاعرة على كتابتها هكذا ، تحمل كثيرا من الدلالات ، خاصة اذا توقفنا عند تكرار كلمة ” الباء ” وحدها دون غيرها من الحروف .
الباء كما نعلم حرف شفوي يرتبط ارتباطا وثيقا بالشفة ، وهذه الكلمة لا تقال عادة إلا بانطباق الشفتين ، وما تحمل من ايحاءات على القبلة.
باعتبارها أرقى تعبير عن الحب والهيام.
عند اتحاد الحب ، حال وجده ، بغد أن كان مفقوداً أو مغيبا بفعل اكراه قدري أو جبري حتمي، واتحاده مع حب آخر ، حب سماوي علوي ، يعلو ولا يعلى ” وهو يمثل هنا خلاصا و ملاذا من ربقة التيه والضياع واللامعنى ” ، حب تتلقفه الشاعرة عبر امتشاقها بياض السماء ، والقضاء على غيمات تلبد هذا البياض لانتشار أريج المحب فوق هذه العينات ، يأتي الفرج سريعا ، فيهجرها الظلام ، ليعود الحب غضا طريا كعادته ، نديا ، فوفاء لم تعد قادرة على مخادعة درب الغياب بالصبر ” الأيوبي ” .
انه الحب ذاك الذي ينبت بين أضلاع الشاعرة, يسكن أوصالها يعمرها ولا يغادرها ، تحاول أن تتعايش معه بتكبر امرأة شامية شرقية ، تعاند الجوى ، لكنه يأبى كعادته ، بل إنه يفضحها وينتصر عليها ، اذ يصر على ان يخرج من فمها مطرزا ، أن يشكل قصيدة ماطرة على إيقاع رطب حلو تؤثته مأدبة نخيل ، فيخرج الطعم مختلفا مميزا منمقا بياسمين الشام ، بشهي التمار ، عطش قاتل لا يرويه إلا خمر الشفاه الدمشقية ، شوق رمال بيضاء ذهبية حارقة ، لبحر بارد يضمها ، يحتويها ، فتصبح ندية طرية ، تدغدغ أرجل الواطئ عليها ، إنه الاحتواء ، و الاندماج ، بل هو حلول بمعاني صوفية إشراقية ، انه شكل جديد يبرد عواطف حارقة يشكل بنية جديدة ، لم تطرقها تلاوين القريض. ويتمثل ذلك جليا
في اتحاد بين الثلج والنار – على غير المعتاد طبعاً – ينبت الحب عبر حوار ريح مغايرة ، هي ليست ريحا عادية ، ربما تكون ريح وريحان ، في تواز مع ملفوظ القرآن ، دلالة على الفوز والظفر الأخير للروح العارجة إلى الله ، وقد تكون ريح الأمل التي تحمل ريح الحبيب ، تبرئ الأسقام وتداوي الأدواء وهي ريح لقاح ، بها تتناسل المباهج والافراح ، وتغتال الأحزان والاقراح.

هو حب إذن بني على ساميات المعاني ، يتعالى عن الجسد وعليه ، يدع الروح طائرة بين يدي الحبيب ، انه نشر للقيم والمعالي ، وسموق نحو فطرة نقية ، جبل الناس عليها ، فنسوها أو تناسوها
لكن الشاعرة الشامية ترفض كعادتها أن تغادر بهاء نخيلها ونضارته ، إنها شرقية متمنعة متشامخة ، تعادل بشموخها ألق النجوم. كيف لا وهي أمرأة تقاسم السماء زرقة الحب والمطر ؟

عبدالله شبلي أستاذ باحث في النقد والتصوف ، عضو مركز يوسف بن تاشفين للدراسات والابحاث من أجل اللغة العربية المغرب

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

Admin Admin
المدير العام

sss

شارك وارسل تعليق

أخبار مقترحة

بلوك المقالات

الفيديوهات

الصور

https://www.alshaya.com/campaigns/IHOP/ihop-ksa/index-ar.html?gclid=EAIaIQobChMI7sTGzbDh6AIVyZl3Ch17hAIDEAEYASAAEgKcrfD_BwE

أخر ردود الزوار

أعداد الجريدة

القنوات الفضائية المباشرة

استمع الافضل